مكانة المعلم
في صباح اليوم الأول من كل عام دراسي ، يذهب ملايين الآباء أو الأمهات مصطحبين أطفالهم إلى المدارس في كافة أنحاء العالم ، وما أن يقابلوا معلمي المدرسة حتى يتركوا لهم أولادهم متوجهين إلى أعمالهم أو إلى منازلهم ، راضين مطمئنين إلى أن هذا الطفل - والذي ربما يترك منزله ليبقى بعيدا عن والديه لأول مرة في حياته - سوف يلقى الرعاية الكاملة على يد المعلم أو المعلمة في المدرسة .
إن هذا الحدث الذي طالما تكرر لسنوات عديدة ، إنما يعنى أول ما يعني أن للمعلم منزلة كبيرة عند كافة أفراد المجتمعات ، على اختلاف طبقاتهم الأكاديمية أو الاجتماعية ، وعلى اختلاف أديانهم أو مذاهبهم الفكرية ، كما يعنى أن المعلم شخص مؤتمن على أهم ما يملكه المجتمع أو الأفراد من ثروة ، ونقصد بهذه الثروة فلذات أكباد . وتكمن أهمية المعلم في كونه الشخص الذي يعتمد عليه في رعاية هذه الثروة ، واستثمارها الاستثمار الأمثل الذي يخدم أهداف المجتمع وطموحاته ، فهو يقوم بعملية التعليم ، ويرعى تربية الأبناء ونموهم في شتى المجالات.
و قد دعا ذلك البعض إلى تسمية مهنة المعلم بالمهنة " الأم'' ذلك لأنها مهنة سابقة وأساسية للدخول في أي مهنة أخرى ، فالمهندس أو الطبيب أو الطيار أو السائق كلهم لابد وأن يتلقوا دراسات في تخصصاتهم المهنية المختلفة ، على أيدي متخصصي المهنة الأم ، أي المعلمين في المدرسة بمراحلها المختلفة ، أو في الجامعة بشتى كلياتها وتخصصاتها . وبقدر الاهتمام والتطور الذي يلحق بعمل المعلم ، بقدر ما يؤدي هذا العمل إلى نمو التلاميذ في المدرسة وتطورهم ، فالأطباء والمحاسبون والمهندسون وغيرهم من فئات المجتمع ، يتأثرون في مستوى مهاراتهم الأكاديمية ، وخلفياتهم المعرفية ، وسلوكياتهم الأخلاقية إلى حد كبير بسلوك معلميهم ، وما بذله هؤلاء المعلمون من جهد طوال سنوات التعليم .
و لا شك أن المخترعين وكبار العلماء وعظماء الساسة في تاريخ العالم الحديث والقديم ، قد عاشوا خبرات تربوية وفرها لهم معلمون أكفاء طوال مراحل تعليمهم ،الأمر الذي أثر في صقل تفكيرهم ، وبناء شخصياتهم ، على نحو مكنهم من هذا التميز، وجعلهم صناعا لأهم الاكتشافات أو القرارات المؤثرة في حياة البشرية ، كما مكن أممهم من الاضطلاع بمهمة الصدارة والقيادة بين الأمم الأخرى .
و نستطيع أن ندلل على ذلك بشيء من البساطة ، ففي الوقت الذي تخرج فيه المعلمون من مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كان أبناء المسلمين هم المتميزين في شتى المجالات ، ودانت لهم ممالك الأرض في الشرق والغرب ، فكان منهم قادة ومفكرون وعلماء ومبدعون ، وذلك لأنهم تخرجوا على يد معلمين عظماء ، كانوا قدوة في الخلق كما كانوا قدوة في العلم والعمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق